منذ أيام أقفل باب الترشح لانتخابات المجلس اللبناني وبالرغم من أن كل القوى السياسية تعرف أن هذه الانتخابات لن تجرى الا أنهم أكملوا مسرحيتهم الهزلية وقدموا ترشيحاتهم قصد اقناعنا أنهم وبكل نية صافية يودون فعلا اجراء الانتخابات.


أتت الترشيحات كالعادة حاملةً لنفس الأسماء مع بعض الفروقات المضحكة. فعلى سبيل المثال قام بعض المرشحين بالترشح جنبا لجنب مع أبنائهم كالنائب السابق عبد الرحيم مراد ونجله حسن والنائب السابق جبران طوق ونجله وليام. وبينما أكد مراد أن ترشيح أبنه هو فقط "من أجل المستقبل"، أكد طوق أنه سيحتكم لمن تفضله القاعدة الشعبية وأن الأقل حظوظنا بينهما سينسحب للآخر قبل اجراء الانتخابات".
لا اعرف كيف ينساق بعضنا لهذه التفاهة، كيف لا يلاحظ العامل أو الموظف ذات الدخل المحدود أنه يشقى ليل نهار ليعيل عائلته ويؤمن لأولاده فرصة التعلم بغية الحصول على حياة أفضل بينما هؤلاء الاقطاعيين يتوارثون دولته ويسرقون أمواله.  لماذا يجب أن ترد هذه العائلات نفسها على مدى التاريخ اللبناني "جميل، جنبلاط، شمعون، الحص، فرنجية، المر...”؟ لماذا يستمر " عبد اللطيف الزين" البالغ من العمر 83 عاما في شغور المقعد النيابي الذي سبقه عليه والده من 1922؟

والمهزلة لم تنتهي هنا فالمرشح الشبح الذي اختفى منذ يوم فوزه عن المقعد الكاثوليكي في قضاء جزين "عصام صوايا" قام بكل وقاحة بترشيحه نجله " جاد عصام صوايا". فهل سيكون الأبن أفضل حالا من أبيه!  

لكن حال بقية النواب لا تختلف فعلياً عن حال عصام صوايا الرجل الذي تقاضى حتى اليوم راتبه البالغ 12 مليون ليرة لبانية شهرياً من دون القيام بوظيفته فوفق دراسة أعدتها «الدولية للمعلومات» تبين ان اللبنانيين دفعوا كلفة كل قانون أقره مجلسنا الكريم ما يقارب مليون و200 ألف دولار! كيف لم نلاحظ بعد أنهم متواطئون علينا. في كل دورة نمدد لنفس المجلس تقريباً لنعود ونبدأ بالشكوة من هذا البلد "القرف" ونبدأ بالتأكيد "انو يا ريت فينا نفل من لبنان". كيف سيتورع السارق عن السرقة ان لم يحاسبه أحد؟

أما عن وجود المرأة في ترشيحات ال 2014 فقد وردت أسماء 35 مرشحة وبالرغم من كون هذا العدد أقل من عدد المرشحات لعام 2013 حيث ترشحت 43 أمرأه ألا أنه لا يزال جيدا نسبياً نظرا لعدم جدية ترشيحات هذا العام وخاصة أن قارناه بعدد المرشحات لانتخابات عام 2009 والذي بلغ 12 مرشحة. لكن تبقى المشاركة النسائية في الحياة السياسية جد خجولة وخاصة أن الفائزات منهم يعود سبب فوزهن الى ارتباط اسمهن باسم أحد الزعماء.


بروز أسماء مثل نعمت بدر الدين المرشحة عن المقعد الشيعي في الجنوب والنبطية ونادين موسى عن المقعد الماروني في المتن يعد ظاهرة إجابيه. فكلتا السيدتين تدعمان العمل المدني اللبناني وقيام دولة علمانية لبنانية. للأسف ونظرا للقانون الانتخابي لحالي لن يسعني مساعدة هاتين السيدتين للوصول ولكني أشعر بالفخر لمجرد وجود نساءٍ مثلهما في مجتمعنا وأن كان صوتي الانتخابي عاجزٌ عن مساعدتهما فأن صوتي الفعلي سيبقى يدعمهما وكل من يشاركهم تطلعاتهم.

للأسف كلنا نعرف أن الانتخابات لهذا العام لن تجرى وأن نوابنا الكرام سيستمرون في استباحة حقوقنا وحريتنا لكن من واجبنا أن ندرك أننا نحن المسؤولين عما يحدث وأننا نحن المتآمرون على أنفسنا! هذا المجلس النيابي عارٌ علينا، واجبنا الوقوف في وجه تمديده، واجبنا منع زعمائنا من تكرار أخطائهم، واجبنا انشاء أحزاب جديدة أو دعم المجتمع المدني.

دائما ما نستعمل حجة عدم وجود البديل ونقنع أنفسنا أننا بين خيارين لا ثالث لهم ولكن ليست هده هي الحقيقة.  ففي الأعوام الأخيرة على سبيل المثال شهدنا نشأت العديد من الحركات الشبابية المدنية كحركة Take back the parliament   و الحراك المدني للمحاسبة وبالطبع بقيت أعداد الداعمين لهذه الحركات محدودة. فاللبناني المستعد أن يتشكى ليل نهار من مشاكله التي لا تنتهي ليس مستعدا أن يخصص بعض الوقت للسعي لتحسين بلده والحجة بسيطة "ما في أمل" وكأن ما نعيشه قد يكون أفضل من المحاولة.

"الرزق السايب بعلمّ العالم الحارم" واستمرارنا بالسكوت عما يحصل يجعلنا المسؤولين أولا وأخيرا عن الحالة التي وصلنا اليها.

دعوني أخبركم عن واقع ما نعيش...
أخبركم أن جيشنا يموت غدراً وأن دماء أبطالنا تسفك من دون حساب...
أخبركم أننا نعيش على حافة الإرهاب وأن بلدنا مملؤة بمخيماتٍ مسلحةٍ وما من يحاسب...
أخبركم أن طرابلس لا تزال تحترق، أن عرسال لا تزال تنازع...
أخبركم أننا نعيش في خطر الموت اليومي، وأن قسماً كبيرا منا يعيش في خطر الجوع اليومي...
أخبركم أن العمال لم يحصلوا حتى الآن على مطالبهم وأن شبابنا كانوا ضحية الافادات...
أخبركم أننا نعيش من دون كهرباء أو ماء، أن طرقاتنا كلها محفرة وأن قوانين سيرنا لا تراعى...
أخبركم عن ربطة الخبز التي يتناقص وزنها، و المدارس التي تزداد  أقساطها...
أخبركم عن مأساتنا اليومية ، عن الوطن الذي نخسره كل يوم أكثر وأكثر، عن عجزنا وتخاذلنا، عن تآمرنا مع حكامنا، عن انسياقنا في سياسية القطيع، عم انجرارنا وراء طوائفنا، عن انتمائنا لأدياننا وليس لبلدنا...
أخبركم عن لبنان نوشك أن نخسره!

النق وحدوا ما بكفي! جربناهن ألف مرة ما صار لازم نغيرون؟
Rihab Sebaaly