منذ بدأت الحرب في سوريا بدأ النازحون بالتوافد إلى للبنان. في البدء كانت الأعداد متواضعة وكان الصورة الحقيقية لما يحدث في سوريا غير واضحة وغير مكتملة. وكالعادة كان "الوجود السوري" الجديد سبباً آخر لانقسام اللبنانيين فبين داعمٍ للثورة الحرة، ورافضٍ لها وقف اللبنانيون يراقبون بحذرٍ صامت تدفق الألف ومن ثم مئات الألاف من النازحين. لم تدارك الحكومات اللبنانية المتتالية المشكلة، دخل النازحون بكل ما حملوا معهم من بلدهم حتى تجاوز عددهم المليون نسمة أي ما يساوي ربع سكان لبنان الحاليين.

بالطبع لم يكن اللبنانيون اجمعهم حاضنين لجيرانهم الذي جار عليهم الزمان فبين سوريا ولبنان تاريخ حافل من الهزائم المتتالية، من الكرامة المسفوكة ومن حقدٍ ورفضٍ خلّفه الوجود السوري العسكري في لبنان على مدى ٣٠ عام. الخوف من عودة السوري من "الطاقة" بعدما خرج من "الباب"، أو من إعادة التجربة الفلسطينية مرةً أخرى بالإضافة إلى الحقد الموروث دفع البعض إلى التصرف بشكلٍ عدائي تجاه النازحين. فعاملهم بشكلٍ سيئ، وقام بمنعهم من التجول ليلاً خاصةً عقب الارتفاع الملحوظ في معدل الجريمة في لبنان الذي تم ربطه مباشرةً بوجود النازحين السوريين. بالطبع لم يغب الانقسام السياسي والطائفي عن المشهد فأختلف التعاطي مع النازحين بين المناطق اللبنانية.

كان من السهل جداً اتهام اللبنانيين بالعنصرية ومحاكمتهم أخلاقياً على سوء معاملتهم للسوريين أو على رغبة البعض بإغلاق الحدود. كان من السهل جداً أن ننظر إلى المسألة وفق المعادلة الإنسانية ونطلق الأحكام على الشعب اللبناني وهذا ما فعلته العديد من مؤسسات المجتمع المدني التي قامت بإطلاق العديد من الحملة المناهضة للعنصرية، الداعية إلى مساعدة الشعب السوري والوقوف معه.
لكن بالنسبة لي لم يكن الأمر بهذه السهولة. كنت أدرك أن الجانب الإنساني للقضية لا يحمل أي التباس وأنه من المرفوض أن يترك شعبٌ بأكمله للموت ولكن أيضاً كنت أقف صامتة أمام تخوف البعض من الحدود المفتوحة في ظل غياب الدولة والرقابة. كنت أشعر بخوفهم وأدرك أن خوفهم لم يأتي من العدم. لذلك كان حقاً من الصعب أن تنظر إلى مشكلة النازحين مطلقاً الأحكام.


اليوم تحول هذا "الخطر المتوقع" إلى حقيقة. فبعد الهجوم الداعيشي على عرسال وخطف الجنديين في الجيش اللبناني تحولت الشبهات نحو المخيمات السوريا وانعكست في مضايقاتٍ طالت السوريين جميعاً أينما وجدوا. " يرجعوا من مطرح ما اجو"، "ما بيجينا منن إلا المصائب"، "كل ما يموت جندي لازم نرّحل ١٠٠٠ سوري" عباراتٌ بتنا نسمعها بشكلٍ يومي. فاللبنانيون المحاصرون في وسط البراكين المشتعلة يتفادون بشكلٍ يومي حذرٍ انتقال الحرب الطائفية إلى شوارعهم.





في غياب دولةٍ قادرةٍ على حماية نفسها ومواطنيها يتجه اللبناني نحو الأمن الذاتي ليرموا ثقل مشاكلهم على اللاجئ السوري. وكما العادة ينسى اللبنانيون أهمية حل المشكلة من جذورها ولستمروا في سياسة ال "ترقيع".


ترحيل السوريين ومعاملتهم بشكلٍ سيئ لن يحل الأزمة التي نعيشها بل سيولد عمراً جديداً من الأحقاد بيننا وبين الشعب السوري. واجب الدولة أن تتحرك من أجل تنظيف المخيمات من كل الأسلحة بعيداً عن الضغوط السياسية التي يمارسها البعض، واجب الدولة أن تعمل على صيانة الحدود ومنع أي تهريب للأسلحة واجب الدولة أن تطالب المجتمع الدولي بحمل أوزار الأزمة السوريا معها جنبا الى جنب. واجب الدولة أنا تحمينا وتصون أرضنا...ومن واجبنا نحن أن نبني الدولة!

Rihab Sebaaly